فصل: نتائج التصويت وحكمه في المجالس التشريعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الشورى في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بالديمقراطية والنظم القانونية



.نتائج التصويت وحكمه في المجالس التشريعية:

لقد أقرت الشريعة الإسلامية مبدأ الشورى كأصل من أصول الحكم وقد وصف الله خصائص الجماعة الإسلامية بقوله: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهم يُنْفِقُونَ}، وقد جاء في النص من بين هذه الصفات أن أمرهم هو نتاج الشورى، وقد جاء التعبير عن هذه الصفة بصيغة الجملة الاسمية لتحمل معاني الثبات والرسوخ والاستقرار، كما جاءت الصفة مطلقة لتؤكد أن الشورى منهج عمل عند المسلمين ليشمل السياسة والتشريع فيما لا نص فيه وغير ذلك، والشورى بين المؤمنين لا يكون العمل بها إلا بالأغلبية أي أننا إذا ما أردنا إعمال مبدأ الشورى فلابد حينئذ من الأخذ برأي الأغلبية وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وأحد وغيرها كما سيتبين ذلك، فإذا استوفى التصويت الضوابط والشروط التي سلف بيانها وجب الأخذ به، وقد روى الترمذي والإمام أحمد عن جابر بن سمرة قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كقيامي فيكم فقال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة»، والمراد بالجماعة هنا التي تلتزم بشريعة الله وتسير وفق منهجه العادل وتلتزم الضوابط عند استنباط الحكم فيما لا نص فيه، فالجماعة هي التي تلتزم الحق بميزان منهج الله ولا ضير من الاختلاف في الرأي في المسائل الاجتهادية، وقد قال بعض العلماء المعاصرين أن الاختلاف في الرأي لا يعد خروجاً على الجماعة ولا مخالفة للدين إلا إذا استغل الخلاف ليتحول إلى فرقة وفتنة، وسنأتي على مزيد بيان في المبحث السابع من هذا الفصل عند حديثنا عن نتيجة الشورى ومدى إلزامية ذلك.
فإن قلت: ما دمنا قد قررنا إلزامية الشورى وجواز إصدار قانون بما يصدر عن هذه المجالس باعتبار إلزامية رأي الأكثرية في هذه المجالس والأخذ بهذه الآراء والنتائج هو في أمور اجتهادية ظنية واحتمال الخطأ وارد، فإنه على افتراض صحة ذلك وورود الخطأ فإن معالجة ذلك ليس بالأمر البعيد ما دامت الشورى قائمة فيمكن لولي الأمر (رئيس الدولة، الإمام، الملك) تبيين وجه الخطأ وإعادة النص برأي مسبب يكشف الحقيقة ويبينها ومن ثم إصلاح ذلك الخطأ إن افترض وجوده، وأما إذا كان الخطأ قد تجاوز الأمر إلى الخروج على نص قطعي فإنه قد سبق وأن أشرنا إلى وجوب الطعن على ذلك أمام القضاء، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أي فهو باطل مردود، وهذا الحديث يقرر القاعدة العامة في البطلان كجزاء لكل تصرف غير شرعي سواءً كان قانوناً أو لائحة أو حكماً فالسلطة التشريعية مقيدة فيما تسنه من قوانين بأن لا يتجاوز أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والدستور المستمد منها.
وتبقى إلزامية الشورى فيما لا نص فيه والأخذ برأي الأكثرية في المجالس التشريعية هو الأساس، أما النظم القانونية فإنها لا تكاد تختلف على لزوم الأخذ برأي الأغلبية، وقد صرح دستور الجمهورية اليمنية بأنه يجري التصويت على مشاريع القوانين مادة مادة، ويتم التصويت النهائي على كل مشروع قانون جملة، وتوضح اللائحة الداخلية للمجلس الإجراءات المتعلقة بذلك، وقد بينت اللائحة كيفية إجراءات التصويت وأبانت الأغلبية التي يجب الأخذ بها.
أما نظام مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية فإنه مصرح في المادة (16) بأنه لا يكون اجتماع مجلس الشورى نظامياً (قانونياً) إلا إذا حضر الاجتماع ثلثا أعضائه على الأقل بمن فيهم الرئيس أو من ينوب عنه ولا تكون القرارات نظامية (قانونية) إلا إذا وافقت عليه أغلبية المجلس.
وقد أعطت بعض الدساتير لرئيس الدولة الحق في الاعتراض على القانون الذي يصدر عن مجلس النواب خلال فترة معينة إذا اشتمل هذا القانون على خطأ بشرط أن يكون هذا الاعتراض قائماً على سبب كما هو صريح الدستور اليمني بالمادة (102) التي جاء فيها (لرئيس الجمهورية حق طلب إعادة النظر في أي مشروع قانون أقره مجلس النواب ويجب عليه حينئذ أن يعيده إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ رفعه إليه بقرار مسبب فإذا لم يرده إلى المجلس خلال هذه المدة أو رد إليه وأقره ثانية بأغلبية مجموع أعضائه اعتبر قانوناً وعلى رئيس الجمهورية إصداره خلال أسبوعين فإذا لم يصدره اعتبر صادراً بقوة الدستور دون حاجة إلى إصداره وينشر في الجريدة الرسمية فوراً ويعمل به بعد أسبوعين من تاريخ النشر). وهل يعود ما تصدره المجالس التشريعية من القوانين بأثر رجعي؟
الأصل في أن ما تصدره سلطات التشريع من قوانين لا يعود بأثر رجعي.
إن أصل عدم رجوع القوانين بأثر رجعي إلا في حالات معينة مبدأ جاء به القرآن الكريم، كما هو معلوم أن القرآن الكريم أكد عدم رجعية التشريع إلا في حالات معينة فقد جاء في الآية (95) من سورة المائدة قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. فقد صرحت هذه الآية بالعفو عما سلف وهذا نص قاطع في عدم رجعية التشريع.
أما الأحوال التي تستثنى من عدم رجعية التشريع فإن هناك أحوالاً متفق عليها ومواطن مختلف عليها بين الفقهاء، ومن هذه الأحوال حديث الإفك الوارد في سورة النور، فمن يرى منهم أن آية القذف نزلت بعد حادثة الإفك وطبقها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على من نشروا الفرية فجلد مسطحاً وحسان وحمنة بنت جحش تطبيقاً للنص، ومن يرى أن نزول آية القذف كان بعد تبرئة عائشة فإنه يقول برجعية التشريع وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفذ التشريع بأثر رجعي للمصلحة، وفي هذا يقول الدكتور محمد عبدالمنعم الضبعي: إن كانت آية القذف بعد الإفك وثبت جلد الثلاثة فهناك رجعية للتشريع من أجل المصلحة، وإن كانت آية القذف قد نزلت قبل الإفك فلا رجعية إن كان جلد مسطحاً ورفاقه غير صحيح، على أن الجلد ثابت عند أصحاب السنن والله أعلم. وقد استشهد البعض على الرجعية المدنية دون الجنائية بقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً} [النساء: 22]، فلم ينقل أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاقب بمن تزوج بزوجة أبيه في الجاهلية ولكن فرق بينهما، أما من تزوج بامرأة أبيه وهو مسلم فإنه يقتل.
أما الأحوال التي يكون للتشريع فيها أثر رجعي ويكاد يتفق عليها فهي تتلخص في الآتي:
1- أن يكون التشريع الجديد في صالح المتهم ولم يكن قد حكم عليه فالثلاثة الذين خلفوا اعتزلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بمقاطعتهم ثم نزل تشريع جديد بتوبة الله عليهم وانتفعوا بهذا التشريع الجديد وأصبح له أثر يعمل به في الماضي قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. فالتشريع القديم كان يقضي بمقاطعة من تخلف عن الغزو كلياً فجاءت الآية بالعفو عن هؤلاء حين شعروا بالندم، وكذلك الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فألغاه التشريع الجديد واعتبره حالة أصلح للمتهم من أن يعده عليه طلاقاً، ولا ريب أن عدم اعتبار الظهار طلاقاً فيه سعة على الإنسان ففي عد الظهار طلاقاً تضييق لا مبرر له قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}... إلى آخر الآيات. فإذا لم يكن التشريع جديداً فلا يطبق عليه.
2- أن يبرأ التشريع الجديد كرجلين تبايعا خمراً ثم أسلما وعلى أحدهما دين للآخر فيسقط الدين بإسلام المدين لأنه ليس دين الخمر وثمنها حق عليه والإسلام يجب ما قبله، وقد كان في الجاهلية أن من يتزوج زوجة ابن تبناه يلام لوماً شديداً في الجاهلية فجاء التشريع يبرأ المتهم بهذه التهمة، وتزوج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمن كانت زوجة لمن كان يتبناه وهو زيد بن حارثة ونزل قول الحق معللاً ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً}.
3- استرداد حق ظلم فيه إنسان باغتصاب منه بطريق غير مشروع كما في المتعاملين بالربا في الجاهلية فوضعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: «كل ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبدالمطلب».
4- وجود تفسير يفسر النص القديم كما في المجاهدين كانوا يأخذون أربعة أخماس الغنيمة وجاء عمر بتفسير جديد أخذ من المجاهدين نصيبهم وأوقفه على المسلمين ومن يجيء بعدهم وفسر آية الغنيمة بآية الفيء قال تعالى: {مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}، وسنأتي على القصة بطولها عند حديثنا عن الشورى في القضاء.
أما إذا ورد تشريع جديد وخالف تشريعاً سابقاً وكانت هناك عقود قد أُبرِمت في ظل التشريع القديم فإن التشريع الجديد لا يصب أثره التشريع البدء، ومما يشير إلى ذلك أنه لما اتجه المسلمون في صلاتهم إلى بيت المقدس بتشريع من الحق سبحانه وتعالى ثم أمرهم الله أن يحولوا وجوههم إلى المسجد الحرام، تساءل الناس عن الأجر الذي اكتسبوه من صلاتهم السابقة أهو لهم أم قد ضاع منهم، فقال الحق سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
أما العقود التي لم تزل قائمة تنتج أثرها بناء على التشريع القديم وبقيت تنتج أثرها في ظل تشريع جديد لا يقرها فهذه تلغى منذ صدور التشريع الجديد ولا عقوبة على ما مضى، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} فمن كان متزوجاً بامرأة أبيه فليفارقها منذ نزول الآية لأن هذا العقد يتناقض مع أسس النظام العام في جوهره، أما حين يتعارض تعارضاً غير جوهري مع التشريع فلا مانع من إبقائه كإسلام الكتابي الذي تزوج وهو كتابي من غير شهود.
وقد درجت أغلب الدساتير على التنصيص على أنه لا تسري أحكام القانون إلا على ما يقع عند تاريخ العمل بها، ولا يترتب أثر على ما يقع قبل إصدارها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الضريبية والجزائية النص في القانون على خلاف ذلك وبموافقة ثلثي أعضاء المجلس، هذا هو ما صرح به الدستور اليمني في المادة (104).
فالدستور قرر قاعدة العمل بالقوانين من تاريخ نشرها والعمل بها وعدم جواز رجعيتها في المواد الضريبية والجزائية، أما ما عدا ذلك فإن الدستور أرجع الأمر إلى مجلس النواب ممثلاً بثلثي أعضاءه في تقرير ما يراه ملائماً في ذلك وتكون القاعدة هو أن كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون معمول به فإنه يبقى صحيحاً إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، أما في الأحوال الجنائية فإنه يطبق القانون الأصلح للمتهم فيطبق القانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة.
وإذا صدر قانون بعد وقوع الجريمة وقبل الحكم فيها طبق أصلحهما للمتهم وإذا صدر القانون بعد الحكم البات وجعل الفعل الذي حكم فيه على مجرم غير معاقب بتلك الجريمة فإنه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجزائية وفقاً لأحكام المادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني.
وإذا كانت القاعدة أن القوانين يعمل بها من تاريخ نشرها فالمشرع اليمني يرى أنه يعمل بها بعد ثلاثين يوم من تاريخ نشرها كما هو صريح المادة (103) من الدستور اليمني فهناك اختلاف بين المشرعين في تحديد المدة بعد النشر، ويجوز مد هذا الميعاد أو قصره بنص خاص في القانون، فإذا تبين أن القانون بعد نشره قد اشتمل على عيوب تضر بمصلحة الأمة أو تخالف الشريعة أو الدستور ولم يستخدم الرئيس حقه الدستوري في الاعتراض على القانون وإعادته إلى مجلس النواب بمذكرة مسببة فإن القضاء يبسط رقابته على هذا القانون.
ويوجد في العالم نوعان من الرقابة على دستورية القوانين رقابة سياسية ورقابة قضائية نأتي على بيانها.